فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {مَن عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينهُ حياةً طيبة} فيها خمسة تأويلات:
أحدها: أنها الرزق الحلال، قاله ابن عباس. الثاني: أنها القناعة، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري.
الثالث: أن يكون مؤمنًا بالله عاملًا بطاعته، قاله الضحاك.
الرابع: أنها السعادة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا.
الخامس: أنها الجنة، قاله مجاهد وقتادة، ويحتمل سادسًا: أن تكون الحياة الطيبة العافية والكفاية، ويحتمل سابعًا: أنها الرضا بالقضاء. {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يجازى على أحسن الأعمال وهي الطاعة، دون المباح منها. الثاني: مضاعفة الجزاء وهو الأحسن، كما قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160].
قوله عز وجل: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله تعالى، قاله الزجاج.
الثاني: فإذا كنت قارئًا فاستعذ بالله.
الثالث: أنه من المؤخر الذي معناه مقدم، وتقديره: فإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم فاقرأ القرآن.
والاستعاذة هي استدفاع الأذى بالأعلى من وجه الخضوع والتذلل والمعنى فاستعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل، وفي التأويل من الخطأ، وقد ذكرنا في صدر الكتاب معنى الرجيم.
قوله عز وجل: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: ليس له قدرة على أن يحملهم على ذنب لا يغفر، قاله سفيان.
الثاني: ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي، قاله مجاهد.
الثالث: ليس له عليهم سلطان لاستعاذتهم باللَّه منه، لقوله تعالى: {وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [فصلت: 36].
الرابع: أنه ليس له عليهم سلطان بحال لأن الله تعالى صرف سلطانه عنهم حين قال عدو الله إبليس {ولأغوينهم أجميعن إلا عبادَك منهم المخلصين} [الحجر: 39-40]. فقال الله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42]، وفي معنى السلطان وجهان:
أحدهما: الحجة، ومنه سمي الوالي سلطانًا لأنه حجة الله تعالى في الأرض.
الثاني: أنها القدرة، مأخوذ من السُّلْطَة، وكذلك سمي السلطان سلطانًا لقدرته. {إنما سلطانه على الذين يتولونه} يعني يتبعونه.
{والذين هُمْ به مشركون} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: والذين هم بالله مشركون، قاله مجاهد. الثاني: والذين أشركوا الشيطان في أعمالهم، قاله الربيع بن أنس.
الثالث: والذين هم لأجل الشيطان وطاعته مشركون، قاله ابن قتيبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {من عمل صالحًا}.
يعم جميع أعمال الطاعة، ثم قيده بالإيمان، واختلف الناس في {الحياة الطيبة} فقال ابن عباس والضحاك: هو الرزق الحلال، وقال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هي القناعة وهذا طيب عيش الدنيا، وقال ابن عباس أيضًا: هي السعادة، وقال الحسن البصري: الحياة الطيبة هي حياة الآخرة ونعيم الجنة.
قال القاضي أبو محمد: وهناك هو الطيب على الإطلاق، ولكن ظاهر هذا الوعد أنه في الدنيا، والذي أقول: إن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر ملذ، فبهذا تطيب حياتهم وأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة، أو قناعة فذلك كمال، وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب وجاء قوله: {فلنحيينه} على لفظ {من}، وقوله: {ولنجزينهم} على معناها، وهذا وعد بنعيم الجنة، وباقي الآية بين، وحكى الطبري عن أبي صالح أنه قال: نزلت هذه الآية بسبب قوم من أهل الملل تفاخروا، وقال كل منهم ملتي أفضل، فعرفهم الله تعالى في هذه الآية أفضل الملل.
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}.
الفاء في قوله: {فإذا} واصلة بين الكلامين، والعرب تستعملها في مثل هذا، وتقدير الآية فإذا أخذت في قراءة القرآن كما قال عز وجل: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]، وكما تقول لرجل إذ أكلت فَقُل: بسم الله، والاستعاذة ندب عند الجميع، وحكى النقاش عن عطاء أن التعوذ واجب، ولفظ الاستعاذة هو على رتبة الآية، وقد ذكرت الخلاف الذي قيل فيه في صدر هذا الكتاب، و{الرجيم} المرجوم باللغة وهو إبليس، ثم أخبر الله تعالى أن إبليس ليس له ملكة ولا رياسة، هذا ظاهر السلطان عندي في هذه الآية، وذلك أن السلطان إن جعلناه الحجة فليس له حجة في الدنيا على أحد لا مؤمن ولا كافر، اللهم إلا أن يتأول متأول {ليس له سلطان} يوم القيامة، فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم، وهؤلاء الذين لا سلطان ولا رياسة لإبليس عليهم هم المؤمنون أجمعون، لأن الله لم يجعل سلطانه إلا على المشركين الذين يتولونه، والسلطان منفي هاهنا في الإشراك، إذ له عليهم ملكة ما في المعاصي وهم الذين قال الله فيهم {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42]، وهم الذين قال إبليس فيهم {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40]، و{يتولونه} معناه يجعلونه وليًا، والضمير فيه يحتمل أن يعود على اسم الله عز وجل، والظاهر أنه يعود على اسم إبليس، بمعنى من أجله وبسببه، كما تقول لمعلمك: أنا عالم بك، أي بسببك، فكأنه قال: والذين هم بسببه مشركون بالله، وهذا الإخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة، تقتضي أن الاستعاذة تتصرف كيده، كأنها متضمنة للتوكل على الله والانقطاع إليه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
شرط وجوابه.
وفي الحياة الطيبة خمسة أقوال: الأوّل أنه الرزق الحلال؛ قاله ابن عباس وسعيد بن جُبير وعطاء والضحاك.
الثاني القناعة؛ قاله الحسن البصري وزيد بن وهب ووهب بن منبّه، ورواه الحكم عن عكرمة عن ابن عباس، وهو قول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
الثالث توفيقه إلى الطاعات فإنها تؤديه إلى رضوان الله؛ قال معناه الضحاك.
وقال أيضًا: من عمل صالحًا وهو مؤمن في فاقة ومَيْسرة فحياتُه طيبة، ومن أعرض عن ذكر الله ولم يؤمن بربه ولا عمل صالحًا فمعيشته ضَنْكٌ لا خير فيها.
وقال مجاهد وقَتادة وابن زيد: هي الجنة، وقاله الحسن، وقال: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.
وقيل هي السعادة، روي عن ابن عباس أيضًا.
وقال أبو بكر الورّاق: هي حلاوة الطاعة.
وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيّ: هي أن ينزع عن العبد تدبيره ويردّ تدبيره إلى الحق.
وقال جعفر الصادق: هي المعرفة بالله، وصدقُ المقام بين يدي الله.
وقيل: الاستغناء عن الخلق والافتقارُ إلى الحق.
وقيل: الرضا بالقضاء.
{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} أي في الآخرة.
{بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
وقال: {فلنحيينه} ثم قال: {ولنجزينهم} لأن {مَن} يصلح للواحد والجمع، فأعاد مرة على اللفظ ومرة على المعنى؛ وقد تقدّم.
وقال أبو صالح: جلس ناس من أهل التوراة وناس من أهل الإنجيل وناس من أهل الأوثان، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل؛ فنزلت.
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}.
فيه مسألة واحدة وهي أن هذه الآية متصلة بقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} فإذا أخذْتَ في قراءته فاستعذ بالله من أن يعرض لك الشيطان فيصدَّك عن تدبّره والعمل بما فيه؛ وليس يريد استعذ بعد القراءة؛ بل هو كقولك: إذا أكلت فقل بسم الله؛ أي إذا أردت أن تأكل.
وقد روى جُبير بن مُطْعِم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من هَمْزه ونَفْخه ونَفْثه» وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ في صلاته قبل القراءة.
قال الكِيَا الطبري: ونُقل عن بعض السلف التعوّذ بعد القراءة مطلقًا، احتجاجًا بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} ولا شك أن ظاهر ذلك يقتضي أن تكون الاستعاذة بعد القراءة؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله قِيَامًا وَقُعُودًا} [النساء: 103]. إلا أن غيره محتمل، مثلُ قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا} [الأنعام: 152]. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فاسألوهن مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، وليس المراد به أن يسألها من وراء حجاب بعد سؤال متقدم.
ومثله قول القائل: إذا قلت فاصدق، وإذا أحرمت فاغتسل؛ يعني قبل الإحرام.
والمعنى في جميع ذلك: إذا أردت ذلك؛ فكذلك الاستعاذة.
وقد تقدم هذا المعنى، وتقدّم القول في الاستعاذة مستوفًى.
قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ} أي بالإغواء والكُفْر، أي ليس لك قدرة على أن تحملهم على ذنب لا يُغفر؛ قاله سفيان.
وقال مجاهد: لا حجة له على ما يدعوهم إليه من المعاصي.
وقيل: إنه ليس له عليهم سلطان بحال؛ لأن الله تعالى صرف سلطانه عليهم حين قال عدوّ الله إبليس لعنه الله {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42].
قلت: قد بينا أن هذا عامٌّ يدخله التخصيص، وقد أغوى آدمَ وحوّاء عليهما السلام بسلطانه، وقد شَوّش على الفضلاء أوقاتهم بقوله: من خلق ربّك؟ حسبما تقدّم في آخر الأعراف بيانه.
{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} أي يطيعونه.
يقال: تولّيته أي أطعته، وتوليت عنه، أي أعرضت عنه.
{والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} أي بالله؛ قاله مجاهد والضحاك.
وقيل: يرجع {به} إلى الشيطان؛ قاله الربيع بن أنس والقُتَبيّ.
والمعنى: والذين هم من أجله مشركون.
يقال: كفرت بهذه الكلمة، أي من أجلها.
وصار فلان بك عالمًا، أي من أجلك.
أي والذي تولّى الشيطانَ مشركون بالله. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن}.
فإن قلت: من عمل صالحًا يفيد العموم فما فائدة الذكر والأنثى؟ قلت: هو مبهم صالح على الإطلاق للنوعين إلا أنه إذا ذكر وأطلق، كان الظاهر تناوله للذكر دون الأنثى فقيل من ذكر أو أنثى على التبيين، ليعلم الوعد للنوعين جميعًا وجواب آخر وهو أن الآية واردة بالوعد بالثواب والمبالغة في تقرير الوعد، من أعظم دلائل الكرم والرحمة إثباتًا للتأكد وإزالة لِوَهْمِ التخصيص وقوله: {وهو مؤمن} جعل الإيمان شرطًا في كون العمل الصالح موجبًا للثواب {فلنحيينه حياة طيبة} قال سعيد بن جبير وعطاء: هي الرزق الحلال، وقال مقاتل: هي العيش في الطاعة، وقيل: هي حلاوة الطاعة.
وقال الحسن هي القناعة وقيل رزق يوم بيوم، واعلم أن عيش المؤمن في الدنيا، وإن كان فقيرًا أطيب من عيش الكافر وإن كان غنيًا لأن المؤمن لما علم أن رزقه من عند الله، وذلك بتقديره وتدبيره وعرف أن الله محسن كريم متفضل لا يفعل إلا الصواب، فكان المؤمن راضيًا عن الله وراضيًا بما قدره الله له ورزقه إياه، وعرف أنه له مصلحة في ذلك القدر الذي رزقه إياه فاستراحت نفسه من الكد والحرص فطاب عيشه بذلك وأما الكافر أو الجاهل بهذه الأصول الحريص على طلب الرزق فيكون أبدًا في حزن وتعب وعناء وحرص وكد ولا ينال من الرزق إلا ما قدر له فظهر بهذا أن عيش المؤمن القنوع أطيب من غيره.
وقال السدي: الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر لأن المؤمن يستريح بالموت من نكد الدنيا وتعبها.
وقال مجاهد وقتادة: في قوله فلنحيينه حياة طيبة هي الجنة.
وروى العوفي عن الحسن، قال: لا تطيب لأحد الحياة إلا في الجنة لأنها حياة بلا موت، وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم وملك بلا هلك وسعادة بلا شقاوة، فثبت بهذا أن الحياة الطيبة لا تكون إلا في الجنة، ولقوله في سياق الآية {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} لأن ذلك الجزاء إنما يكون في الجنة.
قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه غيره من أمته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان غير محتاج إلى الاستعاذة، وقد أمر بها فغيره أولى بذلك، ولما كان الشيطان ساعيًا في إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم وكانت الاستعاذة بالله مانعة من ذلك، فلهذا السبب أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالاستعاذة عند القراءة، حتى تكون مصونة من وسواس الشيطان عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة، قال عمر: ولا أدري أي صلاة هي.
قال: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا والحمد لله كثيرًا ثلاثًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا ثلاثًا وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخته ونفثته وهمزته.
قال: نفخته الكبر ونفثته السحر وهمزته المونة أخرجه أبو داود.
المونة الجنون والفاء في قوله فاستعذ بالله للتعقيب.
فظاهر لفظ الآية يدل على أن الاستعاذة بعد القراءة، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول أبي هريرة وإليه ذهب مالك وجماعة وداود الظاهري.
قالوا: لأن قارىء القرآن يستحق ثوابًا عظيمًا وربما حصلت الوساوس في قلب القارىء هل حصل له ذلك الثواب أم لا؟ فإذا استعاذ بعد القراءة اندفعت تلك الوساوس وبقي الثواب مخلصًا فأما مذهب الأكثرين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة وفقهاء الأمصار، فقد اتفقوا على أن الاستعاذة مقدمة على القراءة، قالوا: ومعنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله ومثله قوله سبحانه وتعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} إلخ، ومثله من الكلام إذا أردت أن تأكل فقل: بسم الله وإذا أردت أن تسافر فتأهب، وأيضًا فإن الوسوسة إنما تحصل في أثناء القراءة فتقديم الاستعاذة على القراءة، لتذهب الوسوسة عنه أولى من تأخيرها عن وقت الحاجة إليها، ومذهب عطاء أنه تجب الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، واتفق سائر الفقهاء على أن الاستعاذة سنة في الصلاة وغيرها، وقد تقدمت هذه المسألة والخلاف فيها في أول سورة الفاتحة، والاستعاذة: الاعتصام بالله والالتجاء إليه من شر الشيطان ووسوسته.
والمراد من الشيطان إبليس.
وقيل: هو اسم جنس يطلق على المردة من الشياطين، لأن لهم قدرة على إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم بإقدار الله إياهم على ذلك {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} لما أمر الله رسوله صلى الله عليه سلم بالاستعاذة من الشيطان فكأن ذلك أوهم أن له سلطان يعني ليس له قدرة، ولا ولاية على الذين آمنوا، وعلى ربهم يتوكلون، قال سفيان ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر ويظهر من هذا (1) أن الاستعاذة، إنما تفيد إذا حضر بقلب الإنسان كونه ضعيفًا، وأنه لا يمكنه التحفظ من وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله ولهذا قال المحققون: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة إلا بتوفيق الله ثم قال تعالى: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} يعني يطيعونه ويدخلون في ولايته يقال: توليته إذا أطعته وتوليت عنه إذا أعرضت عنه {والذين هم به مشركون} يعني بالله، وقيل: الضمير في به راجع إلى الشيطان، والمعنى هم من أهله مشركون بالله. اهـ.